كتاب/ وما صلبوه. الباب الأول. رابعاً/ تفسيرات أكثر حكمة لعلماء الإسلام الأفاضل بخصوص تعبير "شبه لهم"

قال المفضوح:
(1) يقول الفقيه الكبير الإمام الرازي في كتابه (تفسير الرازى جزء3 ص 350):
"إن جاز أن يقال إن الله تعالى يلقى شبه إنسان على آخر فهذا يفتح باب السفسطة. فلربما إذا رأينا (زيداً) فلعله ليس (بزيد) ولكن ألقى شبه "زيد" علي شخص آخر!! وإذا تزوج رجل (فاطمة)، فلعله لم يتزوج (فاطمة) ولكن ألقي على (خديجة) شبه (فاطمة) فيتزوج خديجة وهو يظن أنها فاطمة".
وخلص الإمام الرازي إلى حقيقة خطيرة فقال: "لو جاز إلقاء شبه أحد على شخص آخر فعندئذ لا يبقى الزواج ولا الطلاق ولا التملك موثوقاً به".
فالإمام الرازي يستبعد أن يكون المقصود من هذا التعبير "شبه لهم" هو إلقاء شبه المسيح على إنسان آخر!!
فى هذا الموضع كذبتان: الأولى: مثال (فاطمة) و(خديجة). من كيس المفضوح لا من كلام الرازى.

والثانية: زعم أن الرازى يستبعد إلقاء شبه المسيح على آخر. والذى يبين أن هذا من تدليساته وكذباته لا من أخطائه، أنه أخفى ما قبل الكلام وما بعده، لأن كامل الكلام يبين الحق فى رأى الرازى. والرازى من عادته أن يورد الأسئلة والإشكالات عند تفسيره للآيات، ثم يجيب عنها. فجاء المفضوح وأخذ سؤالاً من اثنين للرازى. وأخفى ما يدل على أنه سؤال، ليوهم القارئ بأنه تقرير نهائى من الرازى، ثم أخفى إجابة الرازى، إكمالاً للتدليس والكذب.

قال الفخر الرازى عند تفسيره لآية النساء 157 : « وفي الآية سؤالان: السؤال الأول: ... والجواب من وجهين: ... السؤال الثاني: أنه إن جاز أن يقال إن الله تعالى يلقي شبه إنسان على إنسان آخر، فهذا يفتح باب السفسطة، فإنا إذا رأينا زيدًا، فلعله ليس بزيد، ولكنه ألقى شبه زيد عليه، وعند ذلك لا يبقى النكاح والطلاق والملك موثوقا به ... والجواب: اختلفت مذاهب العلماء في هذا الموضع، وذكروا وجوهًا: الأول: قال كثير من المتكلمين إن اليهود لما قصدوا قتله رفعه الله تعالى إلى السماء، فخاف رؤساء اليهود من وقوع الفتنة من عوامهم، فأخذوا إنسانا وقتلوه وصلبوه، ولبسوا على الناس أنه المسيح، والناس ما كانوا يعرفون المسيح إلا بالاسم لأنه كان قليل المخالطة للناس. وبهذا الطريق زال السؤال. ولا يقال إن النصارى ينقلون عن أسلافهم أنهم شاهدوه مقتولا؛ لأنا نقول إن تواتر النصارى ينتهي إلى أقوام قليلين لا يبعد اتفاقهم على الكذب. والطريق الثاني: أنه تعالى ألقى شبهه على إنسان آخر. ثم فيه وجوه: الأول: ... وهذه الوجوه متعارضة متدافعة والله أعلم بحقائق الأمور ».

فالرازى أورد اعتراضـًا لا تقريرًا يؤمن به كما زعم المفضوح. ثم رد الاعتراض من طريقين. وقال عن الأول: « وبهذا الطريق زال السؤال ». وقبل أن يدخل إلى الطريق الثانى، نبه على اعتراض ثانوى على الطريق الأول ورده. ثم أورد الطريق الثانى من الجواب. وبعدما ذكر اختلاف وجوه الروايات، قرر بأنها متعارضة وأبرأ الذمة.

وعند تفسيره لآية آل عمران 55 قال: « وبالجملة فكيفما كان ففي إلقاء شبهه على الغير إشكالات. الإشكال الأول: إنا لو جوزنا إلقاء شبه إنسان على إنسان آخر، لزم السفسطة. فإني إذا رأيت ولدي، ثم رأيته ثانيا، فحينئذ أجوز أن يكون هذا الذي رأيته ثانيا ليس بولدي، بل هو إنسان ألقي شبهه عليه ... ». وبعدما سرد الاعتراضات الستة قال: « والجواب عن الأول: أن كل مَن أثبت القادر المختار سلَّم أنه تعالى قادر على أن يخلق إنسانا آخر على صورة زيد مثلا. ثم إن هذا التصوير لا يوجب الشك المذكور، فكذا القول فيما ذكرتم ... ». ثم أكمل الإجابة عن باقى الأسئلة.

والخلاصة أن المفضوح كذب على الرازى، وزعم أنه يشهد لكذبه، منتزعـًا من كلام الرازى الاعتراض، زاعمـًا أنه تقرير له، مخفيـًا كلامه قبلها وبعدها، وزاد من كيسه ما شاء. فلعنة الله على الكاذبين.

والنصارى لهم تدليس مشهور فى هذه المسألة، وذلك أنهم يوردون الإشكالات الستة للرازى عند آية آل عمران، على أنها من تقريراته، فيخفون ما قبلها حتى لا يفهم القارئ أنها اعتراضات أوردها الرازى ليردها. ويخفون ما بعدها من أجوبة الرازى عنها. فلعنة الله على الكاذبين.

فإذا كان هذا حال القوم من الكذب فى أكابرهم فكيف فى الأصاغر ؟

وهذا الكذب والتدليس فى عصر الطباعة واشتهار الطبعات وتوحيد النسخ، وإمكان الحصول على الكتب من المكتبات العامة والتأكد .. ومع هذا كله وجدوا فى أنفسهم كل هذه الجرأة للكذب والتدليس، مطمئنين إلى التقليد المتفشى فى عوامهم وقساوستهم، وحامدين الكسل الذهنى المشهور عن النصارى. فكيف الحال إذن مع القرون الأولى، ولم يكن ثمَّ طباعة تشهر الطبعات وتوحد النسخ .. لا شك أن جرأتهم على الكذب والتدليس كانت أكبر، لا أقول الكذب على علماء المسلمين، ولكن أقول الكذب على التوراة والكتب السابقة. فهذا من أقوى الأدلة على سهولة شيوع الكذب والتدليس عند القوم، وهو قياس بطريق الأولى.